الأحد، 20 أكتوبر 2019

الشاعر الكبير الاديب .. جمال الطرودي / يكتب السيبرنية / المحررة راندا كيلاني

-- السّيبرنيّة---
- يا بنيّ لقد بلغت من العمر عتيّا و آخر أمنية أن أراك عريسا بهيّا .
- يا أبتي ألم تعلم ! لقد تزوّجت سيبرنيّة.
- سيبرنيّة! هل هذه إنسية أم جنّية؟ لقد سمعت بأناس يتزوّجون من الجن.
- لا إنسية و لا جنّية
- قل لي  ملاكة إذن! ما أعلمه أن الملائكة    لا يتزوّجون إذ ليس منهم إناث أو ذكور
- و ليست ملاكا أيضا.
- انتظر! انتظر! سيبرنية ... يعني'' سي برنيّة'' هل تعني  ناسبت السيد '' برنية '' صاحب المطعم الكبير في قلب المدينة. نسب يشرّف مع أنّي الوم عليك إذ لم تحضّرني. لو كانت أمّك حيّة لما استطعت أن تفعل بي هكذا. رحمك الله يا عشيرتي انظري ما فعل بي ابنك بعدك .  يتزوّج و لا يكلّف نفسه بإعلامي حتى. و أجهش بالبكاء.
- يا أبتي، لم أناسب سي برنيّة و لم ألتق به البتّة. و لم أتزوّج إمرأة.
انتصبت أذنا الأب و جحظت عيناه و رمق ابنه بعين يتطاير منها الشرر.
- أيّها الفاسق تزوّجت ذكرا ! لعنة الله عليك! و هوى عليه بالعكّاز لو لم يراوغ الابن لفلق له الرّاس.
- يا أبتي! قد قلت ليست من الإنس و لا من الجن
- بهيمة إذن! لعنة الله على أمثالك ضاق عنهم الفرج فلم يجدوا غير الحيوان. يا حيوان! أخرج من داري و لا تقل لأحد أنّك ابني . أنا براء منك إلى يوم الدّين.
- يا أبتي  ما هي بالخليقة.
- تزوّجت دمية، لقد سمعت بذلك . إنّهم يصنعون روبوتات او بالأحرى إنسالة تشبه الإنسيات أو هي أجمل. لم لم تشتر لي واحدة معك؟ أيّها العاقّ، كنت تحصل على خصم.
- هههه ها إنّك بدأت تطيب. و ما هي بالصّنيعة.
- هذه حتى في الأساطير ليست موجودة . هل تزوّجت آلهة إغريقيّة.؟ كيف عثرت عليها؟ يا وليدي! اطلب منها رحيق الشباب لأبيك لقد سلب قوّتي المشيب .
- لستُ من الخالدين ،لقد اندثرت الآلهة كما اندثرت معابدها و لم تبق غير الأساطير. 
- فما هي هذه السيبرنية؟ لقد بدأت أعشق السّيبرنيّات.  لا تقل طيفا. فإنّ الأطياف تزورني  لمّا أبقى وحدي و لا أجد فيها حياة. فهي تذكّرني بالموت.
- السّيبرنيّة ! السّيبرنيّة ...
- تكلّم، ثكلتك أمّك!
- السّيبرنية هي كائن افتراضيّ . أنثى افتراضيّة ألتقي بها في العالم الافتراضي والذي هو لا يختلف عن العالم الحقيقي في شيء.
- لا حياء في الدين. هل تعاشرها؟
- و لي منها أبناء افتراضيّون.
- هل أنت جادّ فيما تقول؟ و لك منها أبناء ! كم دامت فترة حملها؟
- هنّ لا يحبلن. بعد تسعة أعشار من مليون مليار جزء من الثانية  خرج الوليد. في ذاك العالم ليس هناك مفهوم للزّمن بما أنّه ليس هناك معاناة.
 - فهمت ! فهمت الآن.  أنت تعيش في مصفوفة  كما في فيلم ''ماتريكس''. مسكين ابني يصدّق زيف الحضارة. غدا سوف آخذك إلى طبيب نفسي ليعالجك.
- أبي ، ضع هذه الخوذة!
- لماذا؟
- ضعها، و لا تخف! ضعها كما كنت تضع خوذتك لمّا تركب درّاجتك النّارية و تردفني خلفك  في جولة في المدينة. ما أمتع تلك الأيام   !
- سامحك الله! ذكّرتني بأمّك. كنّا  لمّا نعود تختطفك من الكرسيّ الخلفيّ ثمّ تحتضنك و تلمحني بلحظ فيه عتاب. كانت تخاف علينا من هبّة النّسيم. و مسح دمعا سال حارّا  بظاهر كفّه و تمتم بدعاء مستجاب.
- انا ابنك سوف لا اغرّر بك.
- هيّا نجرّب !
منذ أن وضع  الخوذة لم يخرج من العالم الافتراضي لقد شفطته الدوّامة دون مقاومة و سحبته  إلى الأبعاد الأخرى. و الابن يستعدّ حاليّا إلى القيام برحلة الى العوالم الموازية لاسترداد أبيه. 
 ( جمال الطرودي / تونس)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الشاعر عبدالحميد الباجلاني يكتب لنا

  بالشعر انصح مؤمنا توابا ان النصيحة تفتح الالبابا قصيدة .. افسح لنفسك وافتح الأبوابا واخفض لجنبك لا تردك طلابا افسح لنفسك  وانزع الاعجابا ف...