** أينَ الشّعراءُ ؟ **
_________________
هــلْ غــادرَ الشّعــراءُ مـنْ متــردّمِ
أمْ هـلْ عـرفتَ الـدّارَ بعـدَ توهّـمِ ؟
بهذا السُّؤالِ العريضِ ، استهلَّ الشّاعرُ الجاهليُّ عنترةُ بنُ شدّادٍ العبسيُّ معلّقتهُ المدوّيّةَ الشّهيرةَ ، مسجّلاً بها ملحمةً منْ أروعِ ملاحمِ البطولاتِ و الأمجادِ في تاريخ البشريّةِ إلى الآن ، و أصبحَ صاحبها رمزاً يضربُ بهِ المثلُ في الشّجاعةِ و الكرامةِ و الإباء . و ما زال هذا السّؤالُ يحضرني كلّما خلوتُ إلى نفسي سارحاً بذهني أتامّلُ واقعَ القصيدةِ العربيّةِ ، و ما آلَ إليهِ حالها منْ شحٍّ في الإنتاجِ ، و تدنٍّ في المستوى الفنِّيِّ شكلاً و مضموناً ، خصوصاً بعدَ التّمرّدِ على بنيتها الهيكليّةِ و أوزانها الإيقاعيّةِ ، بلْ تجاوزَ الأمرُ إلى حدودِ الإجهازِ على اللّغةِ نفسها مبنىً و معنىً ، بحجّةِ أنّ هذهِ القيودَ الوهميّةَ إنّما تشكّلُ أمامهم عائقاً للتّعبيرِ بحريّةٍ عن مشاعرهم و تمرير الخطابِ إلى المتلقي بطريقةٍ سلسةٍ ، فاستحالتِ القصيدةُ العربيّةُ إلى مجرّدِ شبكةٍ للكلماتِ المتقاطعةِ ،تتوزعُ فيها حروفُ الكلمةِ الواحدةِ على امتدادِ الأسطر الشّعريّةِ ، مع ملء الفراغاتِ بنقطِ الحذفِ و علاماتِ التّرقيمِ بشكلٍ عشوائيٍّ ، فترى الشّاعرَ الواحدَ منْ هؤلاءِ - إذا كتب - لا يتجاوزُ حدودَ البيتِ الواحدِ اليتيمِ ، أو ( النتفة ) من بيتين في أحسنِ الأحوالِ قد لا يستقيم فيهما المعنى و الإيقاع ، ثم لا يخجل من نفسه بأنْ يذيّلهما بتوقيعه بصفة ( شاعر ) فأينَ الشّعراءُ منْ هؤلاءِ جميعاً ؟ إلّا إذا كانوا منَ الطّبقةِ الرّابعةِ كما جاءَ في تصنيفهم منْ طرفِ أحدِ النّقّادِ القدامى حيثُ قالَ:
شعــــــراءُ الزّمـــــانِ أربعــــــهْ
واحـدٌ يجـري و لا يُجـرى معـهْ
و ثــانٍ ينشـدُ وسـطَ المعمعــهْ
و ثالـــثٌ لا بـــأسَ أنْ تسمعــــهْ
و رابـعٌ لا تستحـيي أنْ تصفعــهْ
_________________________________
مقالة أدبيّة بقلم : علي الفلّوس / طنجة - المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق