من مجموعتي القصصية ( شرانق حرير) نهاد العيسى
نالت هذه القصة جائزة تقديرية من اتحاد الكتاب العرب فرع ادلب ومديرية ثقافة دمشق بمهرجان القصة القصيرة في المركز الثقافي بابو رمانة
هدية الدم والدمع
تنتظر!!
قد يكون طال انتظارها قليلا ، وهي تعلم علم اليقين، أنه بمواسم شجر اللوز، في آذار، يطل عيد الأم . وتجتمع الأسرة بكامل أفرادها ، ليتوافدوا... مقبليّن أيادي الطهر من والدتهم التي أرضعتهم ترياق الحياة ، ومتسابقين للقول:
كل عام وأنت بألف خير يا أمي
يا غالية ..
أطال الله عمرك
أعطنا الدعاء بفمك العذب رضاك ...و منه رضاء من الخالق.
تنتظر!!
وقد بدأ أبناؤها وبناتها بالوصول من المحافظات والقرى مع عائلاتهم ،للاحتفال.
وكل منهم يحمل هدية عربون وفائه .
تستقبلهم الأم بالحب وتبتسم وتدعوا لأولادها بالصحة والسعادة!!
شاردة بعض الشيء ورجاء من قلبها ومن دموع العينين .أن يمنحوا ..ابنها المجند ، المزروع شجرة سنديان على سياج الوطن ، يحمي ترابه ويذود مع رفاقه عن قداسة أرضهم .. ترجو أن يأخذ إجازة.. ويأتي لتتنشق رائحة يديه ، وتبارك إخلاصه لقسمه، وتضم جسده مع إخوته إلى صدرها، وتستلم منه هديتها.. تلك الزهرة البيضاء من شجرة اللوز، التي يحملها كعادته ويقدمّها لها ويقول :
بأنها رمز حب لأغلى مخلوق أراده الله نعمة للأرض ...إلى أمي. .
ويصفها بأنها صلة الوصل وجسر المحبة بين الله والبشر.
لكن حبيب قلبها الصغير الغالي آخر العنقود ،قد تأخر....وقطار الوصول طالت سكته وانتظاره ....
فتقول لنفسها:
لابأس عذره معه ، وذكرى المناسبة بعد غدٍ..علّه سيأتي يوم العيد ,
تبتسم الام في سرّها وتسأل نفسها :
ماذا سيقدم لي هدية مع وردته البيضاء؟ هل يكتفي بزهرة اللوز أم هل هو شال الصوف الذي أحببته وتمنيت شراؤه؟ أم عباءة مطرّزة بالأحمر....
أم أن راتب المجند (الاحتياط ) صار ذا قيمة ؟
قد يفكر حبيبي بشراء قطعة ذهبية منمنمة ..تستمر بابتسامتها وتقول بسرها :
لايهمني.....المهم أن يأتي، واستنشق من رائحة ولدي وأشبع عيوني الجائعة برؤياه ،واسقي شوق روحي بعطر لقائه..
لكن تلك الأحجية الملونة بالدمع المكبوت !!!ولون السماء الحزين..وملاك الوشاح الأسود ..لماذا ؟..
لماذا هذا الرحى اللئيم المركون بزاوية النسيان يتربع على صدري؟؟؟
يجيب القدر بلعبته .... مساء يوم العيد!!
قرعت أجراس الجوامع لحن الحزن، ومن مآذن الكنائس سمع النعي..نعي الشهيد
قالوا للأم :
استشهد الجندي !!!رحل أخر العنقود ..استشهد بنار الحقد بصدره ..إلى جنات الخلد
رحمة من الباري لروحه ...اسكنه الله فسيح جنانه..!
...
..
.ذهبت الأم وبيدها غصن من شجرة اللوز..لزيارة قبر الشهيد ابنها..وعلى تراب الطهر الحانية على لحده..شاهدت أغصان وأغصان من شجر اللوز مزروعة وندية مورقة بطهر زمزم الوفاء ومثمرة بالحب والفرح ...رسمت اشارة صلاتها ..ابتسمت ومع غمزة عتاب خاطبت ابنها :
أيها الحبيب لماذا نسيت هديتي بعيد الأم في مواسم آذار؟ أين تلك العادة التي كنت سبّاق بها ؟
أين هديتي ؟ ....
سمعت بقلبها أصواتا بل تراتيل تخرج من سدرة الله منشدة ...أماه يا أماه :
لقد قدّمنا أغلى ما نملك ..لك.. ولأمنا الأكبر ..ولم نكن خائفين من شيء.. إلّا من دموع أحزانكم .وحرقتكم على فراقنا.والخوف الكبير على أمنّا سّيدة التاريخ فقد أتقل كاهلها الحبر الأسود ..والعهر الأسود ..و كثرت بسطورها أغصان اللوز ..وآلمها نصل منجل الحقد
ابتسمت الأم حزنا لتخلصهم من خجلهم الملّون اصفرارا في وجوههم..
لمست تراب قبرابنها وقالت له
كنوز الكون وإن شّع بريق تبره..
ولمع ياقوته وآلماسه...
لا تغني عن قبلتك الحنونة الدافئة التي كنت تطبعها على وجنتي ...وتقول لي:
كل عام وأنت بخير ........يا أمي
نهاد لطفي العيسى
نالت هذه القصة جائزة تقديرية من اتحاد الكتاب العرب فرع ادلب ومديرية ثقافة دمشق بمهرجان القصة القصيرة في المركز الثقافي بابو رمانة
هدية الدم والدمع
تنتظر!!
قد يكون طال انتظارها قليلا ، وهي تعلم علم اليقين، أنه بمواسم شجر اللوز، في آذار، يطل عيد الأم . وتجتمع الأسرة بكامل أفرادها ، ليتوافدوا... مقبليّن أيادي الطهر من والدتهم التي أرضعتهم ترياق الحياة ، ومتسابقين للقول:
كل عام وأنت بألف خير يا أمي
يا غالية ..
أطال الله عمرك
أعطنا الدعاء بفمك العذب رضاك ...و منه رضاء من الخالق.
تنتظر!!
وقد بدأ أبناؤها وبناتها بالوصول من المحافظات والقرى مع عائلاتهم ،للاحتفال.
وكل منهم يحمل هدية عربون وفائه .
تستقبلهم الأم بالحب وتبتسم وتدعوا لأولادها بالصحة والسعادة!!
شاردة بعض الشيء ورجاء من قلبها ومن دموع العينين .أن يمنحوا ..ابنها المجند ، المزروع شجرة سنديان على سياج الوطن ، يحمي ترابه ويذود مع رفاقه عن قداسة أرضهم .. ترجو أن يأخذ إجازة.. ويأتي لتتنشق رائحة يديه ، وتبارك إخلاصه لقسمه، وتضم جسده مع إخوته إلى صدرها، وتستلم منه هديتها.. تلك الزهرة البيضاء من شجرة اللوز، التي يحملها كعادته ويقدمّها لها ويقول :
بأنها رمز حب لأغلى مخلوق أراده الله نعمة للأرض ...إلى أمي. .
ويصفها بأنها صلة الوصل وجسر المحبة بين الله والبشر.
لكن حبيب قلبها الصغير الغالي آخر العنقود ،قد تأخر....وقطار الوصول طالت سكته وانتظاره ....
فتقول لنفسها:
لابأس عذره معه ، وذكرى المناسبة بعد غدٍ..علّه سيأتي يوم العيد ,
تبتسم الام في سرّها وتسأل نفسها :
ماذا سيقدم لي هدية مع وردته البيضاء؟ هل يكتفي بزهرة اللوز أم هل هو شال الصوف الذي أحببته وتمنيت شراؤه؟ أم عباءة مطرّزة بالأحمر....
أم أن راتب المجند (الاحتياط ) صار ذا قيمة ؟
قد يفكر حبيبي بشراء قطعة ذهبية منمنمة ..تستمر بابتسامتها وتقول بسرها :
لايهمني.....المهم أن يأتي، واستنشق من رائحة ولدي وأشبع عيوني الجائعة برؤياه ،واسقي شوق روحي بعطر لقائه..
لكن تلك الأحجية الملونة بالدمع المكبوت !!!ولون السماء الحزين..وملاك الوشاح الأسود ..لماذا ؟..
لماذا هذا الرحى اللئيم المركون بزاوية النسيان يتربع على صدري؟؟؟
يجيب القدر بلعبته .... مساء يوم العيد!!
قرعت أجراس الجوامع لحن الحزن، ومن مآذن الكنائس سمع النعي..نعي الشهيد
قالوا للأم :
استشهد الجندي !!!رحل أخر العنقود ..استشهد بنار الحقد بصدره ..إلى جنات الخلد
رحمة من الباري لروحه ...اسكنه الله فسيح جنانه..!
...
..
.ذهبت الأم وبيدها غصن من شجرة اللوز..لزيارة قبر الشهيد ابنها..وعلى تراب الطهر الحانية على لحده..شاهدت أغصان وأغصان من شجر اللوز مزروعة وندية مورقة بطهر زمزم الوفاء ومثمرة بالحب والفرح ...رسمت اشارة صلاتها ..ابتسمت ومع غمزة عتاب خاطبت ابنها :
أيها الحبيب لماذا نسيت هديتي بعيد الأم في مواسم آذار؟ أين تلك العادة التي كنت سبّاق بها ؟
أين هديتي ؟ ....
سمعت بقلبها أصواتا بل تراتيل تخرج من سدرة الله منشدة ...أماه يا أماه :
لقد قدّمنا أغلى ما نملك ..لك.. ولأمنا الأكبر ..ولم نكن خائفين من شيء.. إلّا من دموع أحزانكم .وحرقتكم على فراقنا.والخوف الكبير على أمنّا سّيدة التاريخ فقد أتقل كاهلها الحبر الأسود ..والعهر الأسود ..و كثرت بسطورها أغصان اللوز ..وآلمها نصل منجل الحقد
ابتسمت الأم حزنا لتخلصهم من خجلهم الملّون اصفرارا في وجوههم..
لمست تراب قبرابنها وقالت له
كنوز الكون وإن شّع بريق تبره..
ولمع ياقوته وآلماسه...
لا تغني عن قبلتك الحنونة الدافئة التي كنت تطبعها على وجنتي ...وتقول لي:
كل عام وأنت بخير ........يا أمي
نهاد لطفي العيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق